السنن :
قال الحافظ : قَوْله : ( قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَزِيد عَلَى هَذَا ) زَادَ مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْحَاق عَنْ عَفَّان بِهَذَا السَّنَد " شَيْئًا أَبَدًا , وَلا أُنْقِص مِنْهُ " وَبَاقِي الْحَدِيث مِثْله . وَظَاهِر قَوْله : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُر إِلَى رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا )
إِمَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ , أَوْ فِي الْكَلام حَذْف تَقْدِيره إِنْ دَامَ عَلَى فِعْل ذَلِكَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ . وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي حَدِيث أَبِي أَيُّوب عِنْد مُسْلِم أَيْضًا " إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّة " .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث - وَكَذَا حَدِيث طَلْحَة فِي قِصَّة الأَعْرَابِيّ وَغَيْرهمَا - دَلالَة عَلَى جَوَاز تَرْك التَّطَوُّعَات , لَكِنْ مَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْك السُّنَن كَانَ نَقْصًا فِي دِينه , فَإِنْ كَانَ تَرْكُهَا تَهَاوُنًا بِهَا وَرَغْبَة عَنْهَا كَانَ ذَلِكَ فِسْقًا , يَعْنِي لِوُرُودِ الْوَعِيد عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "
وَقَدْ كَانَ صَدْر الصَّحَابَة وَمَنْ تَبِعَهُمْ يُوَاظِبُونَ عَلَى السُّنَن مُوَاظَبَتهمْ عَلَى الْفَرَائِض , وَلا يُفَرِّقُونَ بَيْنهمَا فِي اِغْتِنَام ثَوَابهمَا .
وَإِنَّمَا اِحْتَاجَ الْفُقَهَاء إِلَى التَّفْرِقَة لِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ وُجُوب الإِعَادَة وَتَرْكهَا وَوُجُوب الْعِقَاب عَلَى التَّرْك وَنَفْيه
وَلَعَلَّ أَصْحَاب هَذِهِ الْقِصَص كَانُوا حَدِيثِي عَهْد بِالإِسْلامِ فَاكْتَفَى مِنْهُمْ بِفِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْحَال لِئَلا يَثْقُل ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَيَمَلُّوا , حَتَّى إِذَا اِنْشَرَحَتْ صُدُورهمْ لِلْفَهْمِ عَنْهُ وَالْحِرْص عَلَى تَحْصِيل ثَوَاب الْمَنْدُوبَات سَهُلَتْ عَلَيْهِمْ اِنْتَهَى .[