أعطى الله عز وجل كل نبي من الأنبياء عليهم السلام معجزة خاصة به لم يعطيها بعينها غيره تحدى بها قومه, وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه
فلما كان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة, بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار, وحيرت كل سحار, فلما استيقنوا أنها من عند العزيز الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار
وأما عيسى عليه السلام فبعثه الله في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة, فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة, فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد, وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد, أو على مداواة الأكمه والأبرص
وكذلك نبينا بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء, فأتاهم بكتاب من عند الله عز وجل, فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه وافتراه من عنده فتحداهم ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله وليستعينوا بمن شاءوا فعجزوا عن ذلك كما قال تعالي: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً - سورة الإسراء آية 88 وكما قال الله تعالي : أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ - سورة الطور ايات 33 و 34
ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال فى سورة يونس: أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين
ثم تنازل إلى سورة فقال فى سورة يونس: أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين وكذلك في سورة البقرة وهى مدنية أعاد التحدي بسورة منه, وأخبر تعالى أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا لا في الحال ولا في المآل فقال تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (سورة البقرة :23-24)
وهكذا وقع, فانه من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه, وهذا لا سبيل إليه أبدا؛ فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟
وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز: ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني باستقماته على خصائص واحدة في مستوى واحد لا يختلف ولا يتفاوت ولا تختلف خصائصه معجز في بنائه الفكري وتناسق أجزائه وتكاملها, فلا فلتة فيه ولا مصادفة, كل توجيهاته وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن تصطدم بالفطرة الإنسانية معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها وقد سرد هبة الدين الحسيني الشهرستاني المزايا الإجمالية للقرآن ومنها
فصاحة ألفاظه الجامعة لكل شرائعها
أنباؤه الغيبية, وأخباره عن كوامن الزمان, وخفايا الأمور
قوانين حكيمة في فقه تشريعي, فوق ما في التوراة والإنجيل, وكتب الشرائع الأخرى
سلامته عن التعارض والتناقض والاختلاف
أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إلا بمعونة الأدوات الدقيقة والآلات الرقيقة المستحدثة
ظهوره على لسان أمي لم يعرف القراءة ولا الكتابة
خطاباته البديعة, وطرق إقناعه الفذة
سلامته من الخرافات والأباطيل
تضمنه الأسس لشريعة إنسانية صالحة لكل زمان ومكان
قال الحافظ بن كثير: إن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن, بعشر سور مثله, بل عن سورة منه, وأنهم لا يستطيعون كما قال تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ - سورة البقرة أية 24 أي فان لم تفعلوا في الماضي, ولن تستطيعوا ذلك في المستقيل, وهذا تحد ثان, وهو أنه لا يمكن معارضتهم له في الحال ولا في المآل ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن لبشر معارضته, ولا الإتيان بمثله, ولو كان من عند نفسه لخاف أن يعارض, فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد من متابعة الناس له
ايضاْ
الرقم سبعة في القصة القرآنية
تكرر ذكر الرقم سبعة في القصص القرآني . فهذا نبي الله نوح عليه السلام يدعو قومه للتفكر في خالق السماوات السبع فيقول لهم :
( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً ) [ نوح : 15 ] .
أما سيدنا يوسف عليه السلام فقد فسر رؤيا الملك القائمة على هذا الرقم ، يقول تعالى :
( وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر وأُخر يابسات ) [ يوسف : 43 ] .
و قد ورد ذكر الرقم سبعة في عذاب قوم سيدنا هود الذي أرسله الله إلى قبيلة عاد فأرسل عليهم الله الريح العاتية ، يقول تعالى :
( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام ) [ الحافة :6 – 7 ] .
و في قصة سيدنا موسى عليه السلام وورد ذكر الرقم سبعين و هو من مضاعفات الرقم سبعة ، يقول تعالى :
( و اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا [ الأعراف : 155 ] .
و قد ورد هذا الرقم في قصة أصحاب الكهف، يقول عز وجل : (و يقولون سبعة و ثامنهم كلبهم ) [ الكهف : 22 ].
إذن هناك علاقة بين تكرار القصة القرآنية و الرقم سبعة .
الرقم سبعة و يوم القيامة
لا يقتصر ذكر الرقم سبعة على الحياة الدنيا ، بل نجد له حضوراً في الآخرة .
إن كلمة ( القيامة ) تكررت في القرآن الكريم سبعين مرة أي من مضاعفات 7
70 = 7 × 10
و كلمة( جهنم ) تكررت في القرآن كله سبعاً و سبعين مرة ، أي من مضاعفات7:
77 = 7 × 11
و عن أبواب جهنم السبعة يقول سبحانه و تعالى :
( و إن جهنم لموعدهم أجمعين # لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ) [ الحجر : 43 – 44 ] .
أما عن عذاب الله في ذلك اليوم فنجد مضاعفات الرقم 7 ، يقول عز وجل :
( خذوه فغلّوه # ثم الجحيم صلوه # ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) [ الحاقة : 30 - 32 ].
و لا ننسى بأن الله تعالى قد ذكر الرقم 7 عند الحديث عن كلماته فقال :
( و لو أنما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) [ لقمان : 27 ] .
الرقم سبعة و حروف القرآن
لقد اقتضت حكمة البارئ سبحانه و تعالى أن ينزل هذا القرآن باللغة العربية وجعل عدد حروف هذه اللغة ثمانية و عشرين حرفاً ، أي عدداً من مضاعفات 7 :
28 = 7 × 4
و أول مرة ورد هذا الرقم لعدد آيات سورة الفاتحة التي افتتح الله تعالى بها هذا القرآن .
و قد خاطب الله سبحانه و تعالى سيدنا محمداً عليه الصلاة و السلام فقال له :
( و لقد آتيناك سبعاً من المثاني و القرآن العظيم ) [ الحجر : 87 ] .
و السبع المثاني هي سورة الفاتحة و هي أول سورة في القرآن الكريم و هي سبع آيات ، و عدد الحروف الأبجدية التي تركبت منها هذه السورة هو( 21 ) حرفاً أي :
21 = 7 × 3
في القرآن الكريم هنالك سورة مميزة ميزها الله تعالى عن غيرها فوضع في أوائلها حروفاً مميزة مثل ( الم ـ الر ـ حم ـ يس ـ ق .....) إن عدد هذه الافتتاحيات المميزة عدا المكرر أربعة عشر ، أي من مضاعفات السبعة :
14 = 7 × 2
و إذا أحصينا الحروف التي تركب منها هذه الافتتاحيات عدا المكرر ( أي عددنا الحروف الأبجدية التي تركبت فيها الافتتاحيات المميزة في السور ذات الفواتح )
وجدنا أيضاً أربعة عشر حرفاً ، أي :
14 = 7 × 2
هذه الحروف موجودة كلها في سورة الفاتحة . إذن عدد الحروف المميزة في سورة السبع المثاني هو ( 14) و عدد هذه الحروف مع المكرر يصبح ( 119 ) حرفاً في هذه السورة
و هذا العدد من مضاعفات7:
119 = 7 × 17
هنالك عبارة تتحدث عن خلق السماوات و الأرض في ستة أيام في قوله تعالى :
( خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ) .
في القرآن الكريم لكل سورة عدد من الآيات ، و قد بحثت عن السور التي عدد آياتها من مضاعفات7فوجدتها بالضبط ( 14 ) سورة أي7في 2 .و العجيب أن أول سورة عدد آياتها 7 هي سورة الفاتحة و رقمها ( 1 ) في القرآن ، و آخر سورة عدد آياتها7هي سورة الماعون ورقمها( 107 ) في القرآن . و عند ضم هذين العددين أي (1) و ( 107 ) نحصل على عدد جديد هو ( 1071 ) ، و هذا العدد يقبل القسمة على7كيفما قرأناه من اليسار أم من اليمين . لنرى ذلك :
1 ـ قراءة العدد من اليسار : 1071 = 7 × 153
2 ـ قراءة العدد من اليمين : 1701 = 7 × 243
و لو قمنا بعّد السور الواقعة بين هاتين السورتين ( أي الفاتحة و الماعون ) لوجدنا ( 105 ) سور و هذا العدد من مضاعفات7:
105 = 7 × 15
و العجيب أن عدد حروف اسم كل سورة يساوي سبعة ! فعدد حروف كلمة ( الفاتحة ) سبعة ، و عدد حروف كلمة ( الماعون ) سبعة أيضاً .