الثورات " ، " الربيع العربي " عناوين هذه المرحلة التي تعيشها شعوب أمتنا العربية ضد الظلم والاستبداد، تبتغي الحرية والانعتاق من الأغلال والقيود.
رياح التغيير عصفت بأرضنا فلسطين، لتصل نسائمها إلى الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال، تشحذ همتهم العالية لتنتصب قلاعا شامخة في وجه الظلم الصهيوني، والانتهاكات المتواصلة بحقهم، من قبل الصهيوني الذي لا يحترم قانونا ولا دستورا يحدد حقوق أسرى الحرب.
أشعل أسرانا البواسل شعلة انتفاضتهم على السجان الظالم، جعلوا من التفتيش العاري ، والاعتداء عليهم بالضرب، وايذاء عائلاتهم ومنع الزيارة والتعليم، والأحكام الجائرة والاعتقال الإداري دون محاكمة، والعزل الانفرادي والإهمال الطبي...جعلوا هذه الانتهاكات اليومية حطباً أوقدوا به ثورتهم المباركة، لتحرق السجن والسجانين، مدركين أن ثورتهم لا بد أن تنتصر، لا سيما أنها تأتي في خضم عصر انتصار الثورات الشعبية.
هم الأسرى أعلنوا الإضراب المفتوح عن الطعام ردا على الظلم الواقع عليهم، قرروا الإضراب أيام السبت والثلاثاء والخميس من كل أسبوع، على أن تكون هناك خطوات تصعيدية أخرى في ثورة السجون هذه.
أما العنوان الأبرز لثورتهم فهو: إخراج الأسرى المعزولين، فإن أول من دخل الإضراب المفتوح هم الأسرى المعزولون، الشيخ جمال أبو الهيجاء، أحمد سعدات، حسن سلامة، عاهد أبو غلمة، وابراهيم حامد، وثلة آخرون من أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تضامن معهم أسرى من تنظيمات أخرى ودخلوا الإضراب.
نستطيع أن نعتبر أنها ثورة الوحدة الوطنية، فإن القرار هنا بالإضراب المفتوح يأتي بعد التوافق الفلسطيني داخل أطر الحركة الأسيرة على البدء بالإضراب، وتشكيل هيئة عليا لقيادته من قادة الحركة الأسيرة، ومن جميع التنظيمات الفلسطينية.
إذ إن الأسرى هم حماة المشروع الوطني الفلسطيني، ومصدر الثقة في صون الوحدة الوطنية، وعلى الدوام شكلت الحركة الأسيرة نموذجا وطنيا لحل الخلافات الفلسطينية ومنها وثيقة الأسرى للحوار الفلسطيني.
اليوم وبعد أن أشعل الأسرى ثورة الحرية، لا بد من موقف نتحلى به نحن أبناء فلسطين، جماعات وأفرادا ومن الثغور التي نقف عليها، القائد والجندي، والشيخ والمعلم والطبيب والصحفي والطالب ...كل منا يجب أن يتحلى بروح المسؤولية، وأن نفكر مليا بهؤلاء الأسرى الذين أفنوا أعمارهم داخل معتقلات الاحتلال، وأن نسأل أنفسنا: لماذا اعتقلوا؟ لماذا حرمهم الاحتلال من لحظات سعيدة يعيشونها مع عائلاتهم كما نعيش نحن..؟ كيف يحرمون من الفرحة بتفوق أبنائهم دراسيا، ومن توديع أحبة فارقوا الحياة ، ومن حضور زواج الابن أو الابنة..؟
هم محرمون من كثير مما نعيش نحن في جنباته، حرموا السعادة ومتاع الحياة، حرموا الأعياد والأفراح وحتى الأتراح..منهم من قضى أكثر من 33 عاما في السجن، إنه عميد الأسرى نائل البرغوثي، تخيل نفسك أيها القارئ أن جميع السنوات التي عشتها بحلوها ومرها وبتفاصيلها الصغيرة والكبيرة من الولادة إلى الدراسة إلى الزواج والعمل، قضيتها بين جدران المعتقل..ما تصورك للموضوع؟حتى لو أتينا بقضيب حديد ووضعناه في خزانة ونظرنا إليه بعد 33 عاما كيف سنجده؟ فما بالكم بإنسان من لحم ودم؟!.
اليوم علينا جميعا أن ننتفض لنصرة أسرانا في إضرابهم المفتوح عن الطعام، بالمسيرات والفعاليات التضامنية، حتى يصل صوتنا إلى الأسرى بأننا معهم ومن خلفهم نشد عضدهم، ونرفع معنوياتهم في معركة الإرادة ضد السجان.
أيضا يجب علينا أن نعمل على إيصال صوت الأسرى إلى العالم، والتعريف بمعاناتهم اليومية وعدالة قضيتهم الإنسانية، مجندين في ذلك إمكاناتنا وطاقاتنا وعلاقاتنا الدولية والسياسية والإعلامية.
أما في ما يخص مؤسسات الدفاع عن الأسرى، فيجب السعي لتشكيل لوبي من هذه المؤسسات والهيئات لتوحيد الجهود في خدمة قضية الأسرى وإبرازها إعلاميا، وحشد التأييد الشعبي لهذه القضية التي تمثل ركيزة هامة في الثوابت والحقوق الفلسطينية.
كما أنه على أبناء شعبنا الفلسطيني في جميع أماكن تواجده داخل الوطن وفي الشتات المشاركة الواسعة في الفعاليات التضامنية مع الأسرى، وفاء منا لتضحياتهم العظيمة على طريق التحرير والعودة.اليوم أطلق الأسرى شعلة ثورتهم، ثورة الحرية، الكرامة، لا للظلم ، أخرجوا المعزولين....
(ولا ينبغي أن ننسى واحدا من أهم وأمضى أسلحتنا ألا وهو الدعاء لهؤلاء الأسرى المظلومين أن يفرج الله كربهم ويفك أسرهم وينصرهم على عدوهم).