كثيرةٌ هي الخصائص التي اختص الله بها نبيّه محمداً - صلى الله عليه وسلم - على غيره من البشر، إظهاراً لقدره ومكانته ، وإعلاءً لمرتبته وشأنه ، ومنها خصوصية كثرة زوجاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي أثيرت حولها الشبهات من أعداء الإسلام والمنافقين قديما وحديثا ..
فمن خصائص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أبيح له الزواج بأكثر من أربع ، قال الشافعي : " دلت سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله أن يجمع بين أكثر من أربع من النسوة ".. وقال ابن كثير : " وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء " .. فهذا الحكم من خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي انفرد به دون غيره من الأمة ، وذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ معصوم من الجور الذي قد يقع فيه غيره ، إضافة لما في زواجه بأكثر من أربع من تحقيق لأهداف وحكم هامة ..
ويطلق على زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمهات المؤمنين ، تكريما لشأنهن وإعلاء لقدرهن ، وقد شرفهن الله - تعالى - بذلك فقال : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }(الأحزاب: من الآية6).. وقد بلغت زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللاتي دخل بهنّ إحدى عشرة ، كما ذكر ابن حجر في فتح الباري ، وابن القيم في زاد المعاد ، وهن كالآتي :
خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ :
تزوجها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وهي أول امرأة آمنت من هذه الأمة ، وبقيت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن أكرمه الله برسالته ، فآمنت به ونصرته ، فكانت له وزير صدق ، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولأم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ خصائص كثيرة اختصت بها ، منها : أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتزوج غيرها ، وأن أولاده جميعا كلهم منها إلا إبراهيم ـ عليه السلام ـ ، وهم القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ..
ومن عظيم خصائصها أن الله ـ عز وجل ـ بعث إليها السلام مع جبريل ـ عليه السلام ـ ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أتى جبريل عليه السلام فقال : يا رسول الله ، هذه خديجة أتتك بإناء فيه طعام ، أو إناء فيه شراب ، فإذا هي أتتك ، فاقرأ عليها من ربها السلام ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ مجوف) ، لا صخب فيه ولا نصب )(البخاري).
سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ :
هاجر زوجها السكران بن عمرو إلى الحبشة فتنصر ومات بها كافرا ، فزوجه بها والدها زمعة بن قيس .. ومن خصائصها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أراد طلاقها آثرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ بيومها ووهبته لها ، حباً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإيثاراً لبقائها معه فأمسكها ، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها ، وهي راضية بذلك ، مؤثرة لرضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها .
عائشة بنت أبي بكرـ رضي الله عنهما ـ :
تزوجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين ، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة ، وتوفيت بالمدينة ، ودفنت بالبقيع ..
ومن خصائصها أنها كانت أحب أزواج النبي إليه ، فقد سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أي الناس أحب إليك ؟ ، قال: عائشة ، قيل : فمن الرجال ؟ ، قال : أبوها )(البخاري) ..
ولم يتزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِكْراً غيرها ، وكان الوحي ينزل عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في لحافها دون غيرها ، ولما أنزل الله آية التخيير : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }(الأحزاب:28) ، بدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها فخيرها فقال : ( ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي؟ ، فإني أريد الله ورسوله )(البخاري) ، فاقتدى بها بقية أزواجه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقلن كما قالت ..
ومن خصائصها أن الله برأها مما رماها به أهل الإفك ، وأنزل في براءتها وحياً يتلى إلى يوم القيامة .. وقد تُوفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيتها ، وعلى صدرها ، ودفن في حجرتها .. وكان الأكابر من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إذا أشكل عليهم أمر من الدين استفتوها ، فيجدون علمه عندها ..
حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنهما ـ :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكانت قبله عند خنيس بن حذافة وكان من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشهد بدرا وأحدا ، وأصيب في أحد بجراح مات منها , فتزوجها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
ومن خصائصها ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طلقها ، فأتاه جبريل فقال : ( إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة ، وإنها زوجتك في الجنة )(الطبراني) ..
أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ :
هي رملة بنت صخر بن حرب ، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر بها ، فتزوجها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي بأرض الحبشة ، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار ، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يخطبها ، وولي تزويجها عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ..
وهي التي أكرمت فراش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجلس عليه أبوها قبل إسلامه وقالت : إنك مشرك ، ومنعته من الجلوس عليه ..