الفرق بين الوكيل في صفات الله وبينه في صفات العباد
وكالة الله سبحانه وتعالى لعباده أن يتولّى أمور عباده كلّها، وتفويضه في جميع ما يحتاجون من الوقاية والغياث والحفظ والرعاية، وهذا يستلزم كمال الله سبحانه وتعالى وتنزيهه من أي نقص، لأن الوكالة تقتضي كمال علمه وإحاطته بمخلوقاته، وكمال قدرته على التدبير، وكمال الحكمة في ذلك، فهو على كل شيء وكيل، ويكون توكيل العبد ربه تسليماً لربوبيته وقياماً بعبوديته.
إذن فالوكالة لله سبحانه وتعالى هي الوكالة التامة، والتي تجمع علم الوكيل بما هو وكيل عليه، وإحاطته بتفاصيله، وقدرته التامة عليه ليتمكن من التصرف فيه، وحفظ ما هو وكيل عليه، مع حكمته ومعرفته بوجوه التصرفات، ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق .
أما وكالة العباد لبعضهم فهي نابعةٌ من صفات النقص التي فيهم، سواءٌ في العلم والقدرة والإحاطة والحكمة، فضلاً عن الحاجة إلى الآخرين، فكانت وكالتهم ناقصة ونسبيّة، ومهما توكّل العبد في حاجة غيره من الفقراء والمساكين وغيرهم، إلا أنه يظلّ محكوماً بنقصه وضعفه.
قال الإمام العسكري في كتابه الفروق اللغوية: "الوكيل في صفات الله بمعنى المتولي القائم بتدبير خلقه؛ لأنه مالك لهم رحيم بهم؛ وفي صفات غيره إنما يُعقد بالتوكيل".
أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة:
ورد (الوكيل) في القرآن الكريم أربعة عشر مرّة، صريحاً في قوله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران:173)، ومستفاداً من وصف الله تعالى بأنه وكيل الخلق، في باقي الآيات، منها قوله تعالى: { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} (النساء:81)، وقوله تعالى: { خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام:102)، وقوله: { إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل} (هود:12)، وغيرها من الآيات الكريمة.
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران:173)".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( كيف أنعم وقد التقم صاحب القرنِ القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر)، فقال المسلمون: يا رسول الله، فما نقول؟ قال: ( قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا) رواه أحمد، والمقصود بصاحب القرن إسرافيل عليه السلام.
آثار الإيمان بهذا الاسم:
أولاً: استسلام العبد لخالقه والتفويض له في كلّ الأمور؛ إدراكاً منه بأن جميع الأمور من خير وشرّ ونفع وضرّ إنما هي بقضائه وقدره، يقول الإمام ابن العربي: " إذا علمت أن وكيلك غني وفي قادر ملي فأعرض عن دنياك واقبل على عبادة من يتولاك".
ثانياً: حسن الظنّ بالله تعالى، ومرجع ذلك هو تصوّر عظم شأن من أوكلت إليه الأمور سبحانه وتعالى، فهو المتّصف بتمام القوّة والقدرة وتمام العلم والحكمة، لن يُقدّر لعبده إلا ما هو لصالحه في معاشه ومعاده.
ثالثاً: أن لا يستكثر العبد سؤال الله تعالى في كلّ حين، فإن الوكيل غني يحب أن يسأله السائلون، قال تعالى:{ واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما} (النساء:32)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يسألني فأعطيه) متفق عليه.
رابعاً: تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة، لأن التوكّل على الخالق من أجلّ العبادات، وقوامها الاعتماد القلبي عليه ، وتفويض الأمور إليه، والأمر بها مطلوب ومرغوب: {فاعبده وتوكل عليه} (هود:123)، {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} (المزمل:9)، والالتفات إلى غيره محظور: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} (الإسراء:2).