ما من عبد من عباد الله ولا مخلوقٍ من مخلوقاته إلا ويكتنفه العجز ويحيط به الضعف وتشمله الحاجة؛ ولذلك فإنه يعتمد في أموره كلّها إلى خالقه ورازقه ومدبّر أموره، واعتماده هذا هو وكالةٌ منه لرب العالمين، وهو سبحانه (الوكيل) عنه، ومع جولةٍ ماتعة حول اسم الله الوكيل.
الأصل في الاشتقاق:
(الوكيل) مأخوذ من الفعل وَكَلَ، والواو والكاف واللام أصل صحيح يدل على اعتماد غيرك في أمرك، يقول ابن منظور في لسان العرب: " وكلت أمري إلى فلان: أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه. ووكل فلان فلانا، إذا استكفاه أمره ثقةً بكفايته، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه".
والوكيل من وَكَلَ إليه الأمر وكالة: أي ترك له الأمر وسلمه إليه، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين) رواه أحمد، ومعناه: فلا تتركني إلى نفسي وتصرفني إليها، ومن وُكل إلى نفسه هلك، ويقال: الوَكَل بفتح الواو والكاف بمعنى الرجل الضعيف العاجز، أما وكّله بالتشديد: أي جعله وكيلاً، أو بمعنى: استحفظه على الشيء، ومصدر فعل وكل من الوكالة.
والتوكل هو قبول الوكالة، والتوكل على الله تعالى والاتكال عليه هو الاعتماد عليه تعالى وتفويض الأمور إليه، وترك تدبير النفس، والانخلاع من الحول والقوة، قال الجوهري:"التوكل إظهار العجز والاعتماد على غيرك".
والوكيل على وزن فعيل، وتأتي بمعنى مفعول، فتقول: وكيل الرجل، وهو الذي يقوم بأمره، وسمّيناه وكيلاً لأن موكّله قد وكّل إليه القيام بأمره فهو موكول إليه الأمر.
وقد تعدّدت عبارات اللغوين في بيان معنى الوكيل، قال ابن الأنباري: "الوكيل: الحافظ، وقيل: الوكيل: الكفيل، فنعم الكفيل الله بأرزاقنا"، ومن هذا الباب قول يعقوب عليه السلام: {فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} (يوسف:66).
وقيل: الوكيل هو الكافي، ومن دلائلهم على أن الوكيل تُطلق على الكفيل قوله تعالى: {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران:173) بمعنى:كافينا الله ونعم الكافي، وقال الجرجاني: "الوكيل: هو الذي يتصرف لغيره لعجز موكله"، وقد تُستعمل في لغة العرب بمعنى: الرّب أو الصاحب، واستدلّوا عليه بقول أبي الهيثم :
وداخلة غورا وبالغور أخرجت وبالماء سيقت حين حان دخولها
ثوت فيه حولا مظلما جاريا لها فسرت به حقا وسر وكيلها
فقوله (سُرّ وكيلها): يعني رب الناقة، سرّه خروج الجنين.