من عقائد الهندوس ما يمكن تسميته دورة الحياة عندهم :
فللهندوس عقائد تصور دورة حياة الإنسان، حيث يرون أن روح الإنسان خلقت من الإله ثم ركبت في هذا الجسد الفاني .
والهندوس لا يؤمنون بجنة ولا بنار كما يعتقد المسلمون مثلا ولكنهم يؤمنون بجزاء آخر للمحسن والمسيء فيقولون : " إن المحسن عندما يموت، يموت جسده وتبقى روحه باقية لا تموت، لأنها جزء من الإله فتجازى بأن توضع في جسد صالح وهو ما يعرف بتناسخ الأرواح أو انتقالها " فجزاء المحسن أن توضع روحه في جسد صالح تتنعم فيه وجزاء المسيء أن توضع روحه في جسد شقي تشقى به .
وليس هذا نهاية المطاف عندهم فالغاية التي يتمناها الهندوس لأرواحهم أن تتحد بالإله براهما ولكن هذا لن يحصل وفقا لمعتقداتهم إلا إذا تخلصت النفس من شرورها ونزعاتها وشهواتها ورغباتها وهو ما يسمونه مرحلة الانطلاق كما ورد في "أرنيك " - أحد كتبهم - : " من لم يرغب في شيء ولن يرغب ، وتحرر من رق الأهواء ، واطمأنت نفسه ، فإنه لا يعاد إلى حواسه ، فيتحد بالبرهما ويصير هو ، ويصبح الفاني باقيا " وهي المرحلة النهائية في دورة الثواب عند الهندوس حيث تعود الروح من حيث صدرت، فكما هي جزء من الإله تعود إليه وتتحد به .
ولك أن تسأل أي هندوسي أو غيره ممن يعتقد بتناسخ الأرواح هل يشعر بأي شيء عن حياة روحه السابقة ؟ هل يتذكر شيئا عن تلك الحياة التي عاشها من قبل في جسد آخر ؟ قد يقال ليس بالضرورة أن كل هندوسي انتقل من جسد إلى جسد فثمة ولادات جديدة، والجواب : نعم، ولكن هذا الأمر لا يشعر به كل الهندوس بما يعني ضرورة بطلان دعوى التناسخ فضلا عن دعوى الاتحاد بالإله .
ثالثا : الكتب المقدسة لدى الهندوس :
تنتشر الكتب المقدسة عند الهندوس انتشارا كبيرا ومن أهم كتبهم المقدسة الويدا الذي لا يعرف له واضع معين، ومحتواه عبارة عن تاريخ الآريين القديم في مقرهم الجديد " الهند "، ففيه أخبار حلهم وترحالهم ودينهم ومعاشهم ومطاعمهم ولباسهم ، والويدات عبارة عن أربع كتب دينية هي:
1- الريج ويد ( RIG VEDA) ويشتمل على 1017 أنشودة دينية وضعت ليتضرع بها الهندوسي أمام الآلهة ، ويقال إنه يرجع في تأليفه إلى 3000ق . م .
2- ياجورويدا ( YAJUR VEDA ) وتشتمل على العبادات القولية التي يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين .
3- ساما ويدا ( SAMA VEDA ) وتشتمل على الأغاني التي ينشدها المنشدون آثناء إقامة الصلوات وتلاوة الأدعية .
4- آثار ويدا ( ATHAR VEDA ) وتشتمل على مقالات في السحر والرقى والتوهمات الخرافية مصبوغة بالصبغة الهندية القديمة .
ويجهل الباحثون تاريخ تدوينها وأول كتابتها، ويرجح ديورانت أن بعض التجار الهنود من طائفة الدرافيديين هم من قاموا بمهمة التدوين الأولى، ما جعل هذه الكتابة في بداياتها لا تستخدم إلاَّ لأغراض تجارية وإدارية .
وشجع الكهنة الهندوس ـ البراهمة ـ فيما بعد هذا التدوين لتكون الويدات في أيديهم سلاحاً دينياً يضمن لهم السيطرة والموقع المتقدّم، خاصة بعد أن وطدوا أسس النظام الطبقي في الهند وأعطوه بعداً دينياً. والويدات كما يبدو لم تكن كتاباً واحدا،ً وإنَّما هي مجموعة كتب تصل إلى أربعة عشر كتاباً تتفرع عن الكتب الأربعة التي ذكرناها .
الطبقات عند الهندوس : يعتبر الهندوس مجتمعا شديد الطبقية، بالغ التعصب، فبينا يتمتع أناس فيه بمقام الآلهة، يخوض آخرون أوحال الذل والمهانة، وهذا التقسيم ليس نتيجة سلطة ظالمة توشك أن تزول، بل هو بمقتضى دينهم قدرا إلهيا وأمرا ربانيا، فالإله عندهم قد خلق الخلق على هذا النحو الذي هم فيه، فجاء في كتابهم "منُّوسَمَرتي" وهو سفر من أسفارهم المقدسة حيث جاء فيه :" لسعادة العالـم خلق برهما - إله الخلق - البراهمة من وجهه، والكشتريين من ذراعيه، والويش من فخذيه، والشودر من قدميه " ووفقا لهذا الخلق يجب أن تكون وظائفهم في الحياة وفق دلالة موضع خلقهم، فرأس الإله مركز الفكر والحكم، خلق منه البراهمة فهم العلماء والحكماء ويتمتعون بمزايا عظيمة، والذراعان هما مصدر القوة والبطش ومنهما خُلِقَ الكشتريون فوظيفتهم حماية البلاد ونظامها من الأعداء والمتربصين وهؤلاء هم الجند ، والفخذان اللذان عليهما اعتماد البدن خلق منهما الويشا فوظيفتهم حمل المجتمع ماديا فيقومون بالتجارة والصناعة وعليهم يقع توفير الأمن الغذائي وتأمين الرخاء والاستقرار المعيشي، وتأتي الطبقة الدنيا - الطبقة المسحوقة باسم الدين - وهي الطبقة التي خلقت من قدمي الإله لتكون أسفل طبقة في سلم المجتمع الهندوسي وهي طبقة الخدم والعبيد ( الشودرا ). فواجبهم الخدمة والعمل وإنجاز كلّ ما يوكل لهم من الطبقات الأعلى. يقول البيروني: "ويكون شُودر مجتهداً في الخدمة والتملُّق، متحبباً إلى كلّ أحدٍ بها، وكلّ من هؤلاء إذا ثبت على رسمه وعادته نال الخير". أمّا إذا لـم يقم بواجبه ناله العقاب، وقد نص شرع الهندوس (منُّوسَمَرتي) بشأن وظيفة هذه الطبقة بما يلي: "وفرض الإله الأعظم على الشودار أمراً واحداً وهو أن يقوم بإخلاص تام بخدمة هذه الفرق الثلاث"، ويقصد بها الطبقات السابقة الذكر وهم: البراهمة، الكشاتريا، والويشا.
ولا يدخل المنبوذون في هذا التقسيم فهم درجة دنيا مدنسة لا تدخل أساسا في التركيبة الهندوسية .